وزير الأوقاف : زكاتك وصدقتك أمانة فضعها في مكانها الصحيح
لا شك أن المال بصفة عامة أمانة عظيمة وأن كل إنسان سيُسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، فكما يُسأل الإنسان عن ماله من أين اكتسبه سيُسأل أيضا فيم أنفقه ، حتى عن زكاته وصدقاته ، لذا عليه أن يتحرى أن يضعهما في مكانهما الصحيح ، حيث تطمئن نفسه إلى أكثر درجات الشفافية ، والذي لا شك فيه أن طرق الدفع غير النقدي تعزز هذه الشفافية ، وهو ما دفعنا إلى قصر التبرعات بالمساجد على التبرعات العينية بضوابطها القانونية والدفع غير النقدي عبر الحسابات البنكية الرسمية المعتمدة من وزارة الأوقاف .
والزكاة والصدقات إذا وُظِّفتا توظيفا صحيحا في مصارفها الشرعية فإنها تسد ثغرة كبيرة في احتياجات الفقراء والمحتاجين والمصالح العامة للوطن ، وإذا سَخَت نفس الأغنياء والقادرين بالصدقات والقيام بواجبهم في باب فروض الكفايات من إطعام الجائع ، وكساء العاري ، ومداواة المريض ، وإعانة المحتاج ، والإسهام الجاد فيما يحتاج إليه الوطن من مشاركة مجتمعية فإن وجه الحياة لأي مجتمع سيتغير ، ولن يكون بين أبنائه محتاج ولا متسول .
ولتعظيم ثواب الصدقة فإن على المتصدق التحري بأن يضعها في موضعها ، حيث يقول الحق سبحانه:” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ” ، وعليه إن أراد أفضل الثواب وأعلاه أن يجتهد في ترتيب الأولويات ، وأن يدرك أن الأعم نفعًا والأوسع أثرًا مقدم على غيره من الأقل نفعًا أو أثرًا ، وأن ما يحفظ النفس مقدم على ما يدخل في إطار التحسينيات أو الكماليات ، فإطعام الجائع ، وكساء العاري ، ومداواة المريض ، وإيواء المشرد ، مقدم على مالا يعد أساسا في إقامة حياة الإنسان وحفظها وحفظ كرامته في العيش والحياة.
ويزداد عِظَم الصدقة كلما سدت حاجة من حاجات المجتمع ، فإن رأيت الحاجة أمس إلى المتطلبات الصحية ؛ فضعها في علاج المرضى وبناء المستشفيات وتجهيزها ، وإن رأيت الأولوية للفقراء والمساكين فضعها فيهما .
وإذا كان على المتصدق أن يتحرى موضع صدقته ، فما بالكم بالقائم على أمور الزكاة والصدقات ، إذ عليه أن يكون أكثر تحريًا وتعففًا في التعامل معها ، سواء بالحفاظ عليها أم بحرصه على وضعها في موضعها ، أم التعفف في النظر إليها والتعامل معها ، أم باتخاذ الإجراءات اللازمة لحوكمة التعامل معها، والحرص على صرفها في مصارفها الشرعية بمنتهى الدقة والأمانة واليقظة.
ونؤكد أن ما تنفقه اليوم ستجده غدًا ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ” (البقرة : 272) ، ويقول سبحانه :” وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ” (سبأ : 39) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :” مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ” (سنن الترمذي)، وحيث يقول (صلى الله عليه وسلم) :” ما مِن يومٍ يُصْبحُ العِبادُ فيهِ إلا مَلَكانِ يَنزلانِ ، فيقولُ أحَدُهُما : اللهمَّ أعط مُنفِقًا خَلَفًا ، ويقولُ الآخَرُ: اللهمَّ أعطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ” (متفق عليه).
ومن ثم فإننا نرى أن كل وسيلة تؤدي إلى مزيد من الشفافية والحوكمة في التعامل مع الزكاة والصدقات من أوجب واجبات الوقت ، وإذا كانت الدولة تسير في إطار الشمول المالي والدفع غير النقدي ، فإننا نرى أهمية تعميم ذلك على جميع الجهات والمؤسسات القائمة على شئون الزكاة والصدقات والتبرعات وجميع وجوه البر.
أ.د/محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف .